الضرب ممنوع يا زوجتي العنيفة: العنف الزوجي ضد الرجال بين التهميش والصمت

في المجتمعات العربية والعالمية على حد سواء، غالباً ما يُفترض أن العنف الأسري يُمارَس من قبل الرجل ضد المرأة، ما يجعل أي حديث عن تعرض الرجل للعنف من زوجته أمراً مستبعداً أو حتى مثاراً للسخرية. هذه الفرضية النمطية تغفل حقيقة مريرة، وهي أن آلاف الرجال حول العالم – ومن بينهم رجال في مجتمعاتنا العربية – يتعرضون يومياً للعنف الجسدي أو النفسي أو اللفظي من قبل زوجاتهم، ويضطرون للصمت بسبب الخوف من الوصمة الاجتماعية أو التشكيك في رجولتهم.

“الضرب ممنوع يا زوجتي العنيفة” ليست مجرد عبارة احتجاجية، بل هي صرخة من قلب المعاناة، ونداء لتصحيح المفاهيم المغلوطة التي تحوّل ضحايا العنف من الرجال إلى متهمين أو مستهزأ بهم.

فهم العنف الزوجي: المفهوم من منظور شامل

العنف الزوجي لا يقتصر على الضرب أو الإيذاء الجسدي، بل يشمل أشكالاً متعددة منها العنف اللفظي، النفسي، الاقتصادي والجنسي. عندما يصدر هذا العنف عن المرأة ضد الرجل، يُنظر إليه في كثير من الأحيان على أنه شيء غير ممكن أو غير مؤثر، متجاهلين الآثار النفسية الخطيرة التي قد تترتب عليه.

أشكال العنف التي قد يمارسها الزوجة ضد الزوج تشمل:

• الضرب بالأيدي أو بالأدوات المنزلية

• الإهانة المتكررة أمام الأطفال أو الأهل

• التحكم المفرط والسيطرة على المال والقرارات

• التهديد بالطلاق أو بحرمانه من أطفاله

• الحرمان من العلاقة الزوجية كوسيلة للعقاب

• الكذب والتشهير أو رفع شكاوى كيدية

الأبعاد النفسية والاجتماعية لظاهرة عنف الزوجة تجاه الزوج

يتعرض الرجل المعنَّف لسلسلة من التأثيرات النفسية التي قد تؤدي إلى حالات اكتئاب حادة، اضطرابات النوم، فقدان الثقة بالنفس، الانعزال الاجتماعي، وفي بعض الحالات، إلى التفكير في الانتحار.

الرجل في المجتمعات الشرقية يُربى على مبدأ القوة والصلابة وعدم إظهار الضعف، ما يجعله يتردد في طلب المساعدة أو حتى الاعتراف بأنه ضحية. وهذا الصمت يُسهّل استمرار المعتدية في أفعالها دون رادع، ويجعل المجتمع متواطئاً – وإن بصمت – مع استمرار دورة العنف.

الإطار القانوني: غياب الحماية القانونية المتكافئة

في العديد من الأنظمة القانونية، يتم إيلاء اهتمام أكبر بحماية المرأة من العنف الأسري – وهو أمر مشروع – ولكن هذا لا يعني إهمال الطرف الآخر. في المقابل، نجد قوانين الحماية من العنف الأسري إما تتجاهل إمكانية تعرض الرجال للعنف أو أنها لا توفر إجراءات فعالة لتمكين الرجل من الدفاع عن نفسه قانونياً.

في بعض الدول العربية، لا تُسجل الشكاوى المقدمة من الرجال ضد زوجاتهم على أنها عنف أسري، بل قد يُعامل الرجل باستهزاء أو يُطلب منه “التحمل” أو “حل الأمور عائلياً”. وهذا التمييز القانوني يُكرس الصورة النمطية التي تعتبر الرجل دائماً هو الجاني، وليس الضحية.

الصمت الذكوري: لماذا لا يتحدث الرجل المعنّف؟

هناك عدة أسباب تفسر صمت الرجال المعنفين، أبرزها:

• الخوف من السخرية: يخشى الكثير من الرجال أن يُوصموا بالضعف أو يُهزأ بهم من قبل الأصدقاء أو المجتمع.

• غياب الدعم الاجتماعي: نادراً ما توجد جمعيات أو مراكز إيواء تستقبل الرجال المعنَّفين كما هو الحال مع النساء.

• الخوف من فقدان الأطفال: في بعض الحالات، يفضل الرجل الصمت خشية الطلاق وفقدان حضانة أطفاله.

• تطبيع العنف: بعض الرجال يظنون أن ما يتعرضون له من ضرب أو إهانة هو أمر طبيعي أو يستحقونه بسبب أخطائهم.

العنف ضد الرجال في الأبحاث والدراسات

تشير عدة دراسات دولية إلى أن نسبة الرجال الذين يتعرضون للعنف الأسري من قبل زوجاتهم في ازدياد. ففي دراسة نُشرت في Journal of Family Violence، تبين أن حوالي 40% من ضحايا العنف المنزلي في الولايات المتحدة هم من الرجال. وفي المملكة المتحدة، أظهر تقرير لمكتب الإحصاءات الوطنية أن 1 من كل 3 ضحايا للعنف المنزلي هم رجال.

وفي السياق العربي، ما تزال الإحصاءات شحيحة بسبب غياب الأبحاث الميدانية المتخصصة، لكن تقارير إعلامية ومجتمعية متعددة تشير إلى وجود حالات كثيرة من الرجال الذين يتعرضون للعنف في صمت تام.

الآثار السلبية على الأسرة

العنف داخل الأسرة، مهما كان مصدره، يهدد استقرار البيت ويؤثر على الأطفال بشكل مباشر. عندما يشهد الطفل مشاهد عنف تمارسها الأم ضد الأب، تتشوه صورة السلطة الأبوية لديه، ويبدأ في تكوين مفاهيم خاطئة حول العلاقات الإنسانية، وقد تتكون لديه ميول عدوانية أو يصبح هو نفسه ضحية مستقبلاً.

الأسرة بيئة تربوية أساسية، وإذا فُسدت بالعنف، فإن تأثير ذلك يمتد إلى المدرسة والمجتمع ككل. ومن هنا، لا يمكن تجاهل أي شكل من أشكال العنف الأسري، سواء كان الضحية امرأة أو رجلاً.

“الضرب ممنوع”: رسالة للمجتمع والقانون

التحذير من ضرب الزوجة لزوجها ليس فقط دفاعاً عن الرجل، بل هو دفاع عن مبدأ العدالة والكرامة الإنسانية للجميع. لا يحق لأي طرف في العلاقة الزوجية أن يمارس العنف ضد الطرف الآخر، مهما كانت الأسباب أو المبررات.

الضرب ممنوع، سواء أكان الجاني رجلاً أم امرأة. والحب والاحترام المتبادل هما الأساس الذي تبنى عليه العلاقة الزوجية. يجب على المؤسسات القانونية، والجمعيات الحقوقية، والمجتمع المدني أن تعترف بأن الرجل قد يكون أيضاً ضحية، وأن تعمل على خلق بيئة قانونية ومجتمعية تضمن الحماية المتساوية لكلا الطرفين.

التوصيات والإجراءات المطلوبة

لكي نتمكن من مواجهة هذا النوع من العنف المسكوت عنه، يجب اتخاذ سلسلة من الإجراءات على عدة مستويات:

1. إدراج العنف ضد الرجل في القوانين: ينبغي تعديل القوانين لتكون شاملة لكافة ضحايا العنف الأسري بغض النظر عن جنسهم.

2. إنشاء مراكز دعم للرجل المعنف: كما توجد مراكز لدعم المرأة، يجب توفير مؤسسات تُعنى بحماية الرجال ضحايا العنف.

3. التوعية المجتمعية: عبر وسائل الإعلام، والمساجد، والمدارس، حول حقيقة وجود العنف ضد الرجل وآثاره المدمرة.

4. تشجيع البوح والاعتراف: يجب كسر حاجز الصمت الذي يُفرض على الرجال وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم.

5. دمج الظاهرة في المناهج التعليمية: لتربية جيل يؤمن بالمساواة والاحترام المتبادل، بعيداً عن العنف بمختلف أشكاله.

جدول يوضح الفروقات في أشكال العنف الزوجي وتأثيرها حسب الجنس

الكلمة الأخيرة: نحو مساواة حقيقية في مواجهة العنف

إن بناء مجتمع عادل لا يتم إلا بالاعتراف بجميع أنواع العنف، بغض النظر عن جنس الضحية أو الجاني. يجب أن نرفض العنف من أي طرف، سواء كان رجلاً أو امرأة.

“الضرب ممنوع يا زوجتي العنيفة” ليست فقط جملة يصرخ بها رجل معنَّف، بل هي دعوة إلى إعادة النظر في البنية المجتمعية والثقافية التي تسمح بمثل هذه التجاوزات. إن الكرامة الإنسانية لا تقبل التفاوض، ولا يمكن أن تتجزأ بحسب الجنس أو الدور الاجتماعي.

المراجع:

1. Hines, D. A., & Douglas, E. M. (2010). “Intimate terrorism by women towards men: Does it exist?” Journal of Aggression, Conflict and Peace Research.

2. Office for National Statistics, UK (2022). “Domestic abuse victim characteristics.”